الجمعة، 7 أكتوبر 2011

رسالة الى التيار السلفي في اليمن

حمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:

أيها الشباب السلفيون الأعزاء! ويا أيها الشباب الإسلامي في أي جماعة كنت، أو كنت مستقلاً!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد حان وقت المصارحة والمناصحة، فالدعوة على مفترق طرق ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعليه فأقول مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه ومعتصماً به من شر كل ذي شر:

تمر الدعوة السلفية بجميع أطيافها في اليمن بمأزق خطير، حيث تكالبت عليها قوى الشر والعدوان، وكان هذا التكالب من خلال أسلوبين ظاهرين للعيان.

أولهما: أسلوب الغزو الفكري من الداخل المتمثل في استبطاء الطريق، وطلب إعادة النظر في المنظومة الفكرية والدعوة إلى سياسة مد الجسور، وقد تبلور ذلك في خطين رئيسيين: خط يدعو إلى مد هذه الجسور مع الحكام، والشهادة لهم بالولاية الشرعية، وحق السمع والطاعة، والتأويلات المستمرة لكل ما يصدر منهم.

مع قولهم بأن الديمقراطية كفر، وأن الديمقراطية في بلادنا هي مستوردة من الغرب.

ومع العداء التام من بعضهم للتيارات الإسلامية وعدم التأويل لهم بحال، وتنزيل حكم الخوارج عليهم.

ومن ضمن تلك الأحكام: الإفتاء بقتل المعتصمين أو المتظاهرين، واعتبارهم من الخوارج.

ولا ريب أن مثل هذا الفكر فتنة عظيمة نعوذ بالله منها.

أما الخط الثاني-وهو الأخطر-: فهو خط مد الجسور مع جماعة الإخوان المسلمين، والتي تحمل في طياتها تراث الفرق البدعية قديماً مثل المعتزلة والأشاعرة والمرجئة، إضافة إلى أنه تغلب عليها في الأزمنة المـتأخرة الخط الديمقراطي الحزبي الذي قرب مفاهيمهم من مفاهيم العلمانية، وأصبحت بينهم وبين الأحزاب العلمانية قواسم مشتركة أكثر مما بينهم وبين الجماعات الإسلامية الأخرى، وخاصة الدعوة السلفية والجهادية، ومن أقبل منهم على الالتقاء مع أحد من السلفيين فإنما ذلك وسيلة لشق السلفيين، ومحاولة التأثير عليهم فكرياً؛ بحيث أصبح مشروع الإخوان برمته يلقى ترحيباً عند البعض من أولئك السلفيين، فتراه لا ينفك عن مهاجمة الجهود السلفية، وتكرار جلد الذات بأسلوب مثير للتقزز، مدعياً بأنها ستبقى دائماً باركة في محلها، وربما أظهر التحسر والأسف لحال الدعوة، وأنها تفتقد المشروع التغييري، حيث استولى على عقله المشروع التغييري عند الإخوان المسلمين، أي: أسلوب الأحزاب والتكتلات السياسية.

والبعض الآخر وبمكر ودهاء يظهر عدم الموافقة على كل ما يقوله الإخوان، ويظهر الاستنكار، ولكنه يسعى ليلاً ونهاراً من خلال حركة عملية مستمرة وبصمت إلى سحب السلفيين إلى مشاريع الإخوان، وبرامجهم اليومية، والسعي لتذويب الفوارق والتهوين منها، وإبداء التأويلات لهم في ضلالاتهم، وذلك من خلال الصلة المتوثقة يوماً بعد يوم مع التيار الذي يدعي السلفية منهم، وبالذات مع الزنداني، والمشاركة في برامج مشتركة علمية وسياسية، حتى انتهى بهم الأمر أن وجدوا أنفسهم في ساحات الاعتصام والتغيير مطالبين بالشعار الذي رفعه المشترك وشبابه في ساحة التغيير، ألا وهو إسقاط النظام، ودعوا وشجعوا وزجوا بالشباب السلفي في هذه المتاهات، وخاصة في عدن وحضرموت والحديدة وتعز وإب والبيضاء، مصرحين بأنها ثورة شعبية وشبابية مباركة، وأنها جهاد ورباط.

وأحياناً قد يقول البعض منهم: إن الاعتصامات والمظاهرات ليست مشروعهم، ولكن يقولون: لا بد أن يكون للسلفيين مشاركة في إسقاط النظام، أي: ليأتي بعده الخليط المعارض من الاشتراكي والبعثي والناصري والرافضي والإخواني المتبنين جميعاً للدولة المدنية الحديثة، حيث يعتقدون أنهم أنفع للإسلام والمسلمين، وأقل ضرراً من النظام الحاكم، وهم يشاهدون ويسمعون قيادات هؤلاء الشباب في المشترك تصرح للاستعمار بأنهم سيكونون لهم خدماً في محاربة التيار السلفي الجهادي، وأكثر إخلاصاً ومصداقية، مستنكرين على النظام تلاعبه بهذه القضية وعدم جديته.. قاتلهم الله أنى يؤفكون!

والبعض الآخر يتبرم من الوضع السلفي المحافظ، فيبشر بظهور تيار تجديدي يقول عنه: يكمن دور شباب التيار السلفي التجديدي وحركة النهضة للتغيير السلمي في الثورة من خلال انتهاجهم نهج الثورة الشعبية والتغيير بالطرق السلمية التي تعد أحد الركائز الأساسية التي يقوم عليها تيارنا التجديدي، وتجاوبهم مع الثورة السلمية منذ أول أيامها بالنزول للساحات والدفع بالشباب وتشجيعهم، ويتأسف على ما آلت إليه الأمور من خضوع الأحزاب ذات الأيدلوجية لمشايخ القبايل، وكأن شيوخ القبائل أسوء حالاً من تلك الأحزاب العقائدية. فتراه يقول: في شمال الوطن كان النظام السياسي يعتمد على القبيلة والعسكر، وشبكات المصالح غير الرسمية، ونمط الدولة التقليدية في إدارة الحكم، ما أدى إلى التضييق على مشروع الدولة الحديثة، وبالتالي استسلام الأحزاب والقوى السياسية التي لها أيديولوجيات معينة، سواء كانت إسلامية أو ليبرالية أو قومية للواقع القبلي ومراكز القوى التقليدية، حتى أصبحنا نجد أحزاباً سياسية تدعي التقدمية، أو يسارية صار يتزعمها شيوخ قبائل.

وفي القضية الجنوبية المفتعلة يقول: من يحدد حل القضية الجنوبية هم أبناء الجنوب أنفسهم، ومن الخطأ فرض معالجة القضية الجنوبية تحت سقف الوحدة أو بفك الارتباط أو غيره بصورة انفرادية؛ لأننا في عصر انتهى فيه زمن الوصاية، وينبغي على الشعوب أن تقول كلمتها، ولا يوجد مكان لأن يأتي فصيل سياسي معين، أو مكون من مكونات المجتمع ليفرض رأيه، ويتحدث بصفة الناطق الرسمي والممثل الشرعي باسم أبناء الجنوب..

لذا يجب دعوة كافة أبناء الجنوب من المكونات الاجتماعية والسياسية، وشريحة التجار والعلماء وشيوخ القبائل والمثقفين والأكاديميين وفصائل الثورة الشبابية والحراك الجنوبي والأحزاب المستقلة إلى حوار جنوبي جنوبي خالص لفرز تطلعاتهم ووضع مقترحاتهم وتحديد الصيغة التي يرونها مناسبة لحل قضيتهم الجنوبية، سواء في ظل دولة مركزية أو فيدرالية أو بالانفصال، وما يقرره مجموع أبناء الجنوب فنحن معهم؛ لأننا نرى أن الأزمة الموجودة في الجنوب ليست من عام 1994م بل من عام 1967م؛ فلذا ينبغي استغلال هذه اللحظة التاريخية لتصحيح أوضاعنا، ومعالجة سلبياتها الماضية بشكل كامل بما يرضي الجميع، ومن منطلق احترام آراء الآخرين وتقبلها!

وهكذا يغيب الميزان الشرعي، وأطر المخطئ على الحق أطراً أياً كان؛ ليصبح الميزان هو ما يقرره أهل تلك المنطقة بميزانهم المناطقي؛ فلو تخيلنا شيوع هذا الميزان في أكثر من بلد إسلامي عموماً وفي اليمن خصوصاً، كم يا ترى سيصبح اليمن وتلك البلدان الإسلامية دولاً وشعوبا؟

وهذا كله تجديد في هذا الدين وفي هذه الأمة، وثورة تجديدية ضد النظم القائمة، وضد المشايخ التقليديين في آن واحد، وهم الذين ربوا وعلموا وتعبوا وأسسوا ليصبح هؤلاء المشايخ في خانة التقليديين الذين يفكرون بعقلية القرن الماضي.

وبعض هؤلاء يحاول الجمع بين الثورية، فيشجع شباب التغيير.

هذا الخليط الداعي إلى الدولة المدنية، ويصرح بأنه مع شباب التغيير، ثم يكتبون المقالات في مهاجمة الدولة المدنية إمعاناً في التلبيس، بينما الآخر يدعو صريحاً إلى الدولة المدنية؛ فأدت هذه الطريقة والأسلوب إلى نتيجتين خطيرتين بالمرة:

إحداهما: أن الدعوة السلفية -التي لا ترفع شعار الولاء للحكام- وجدت نفسها في حالة مواجهة مع الحكام، وذلك من خلال النزول إلى ساحات التغيير ورفع شعارات إسقاط النظام، وإصدار البيانات تلو البيانات المنددة بالنظام، وإلهاب الشباب بالشعارات السياسية والجمهرة، بل والمواجهة المسلحة في بعض المواطن كما في البيضاء، ولا يشك عاقل في خطورة مثل هذه التصرفات على الدعوة إلى،الله وقد ساقها إلى هذا الموقف التيار المرتبط بعلاقته الوثيقة مع الشيخ الثائر الزنداني، ويحاولون في الفترة الأخيرة التقليل من أهمية المشروع السلفي الدعوي التربوي الهادئ، ويسعون إلى خلخلته ومحاصرته في أضيق نطاق، وقد شغلوا الشباب عن الدعوة بالمشاريع الهلامية التهريجية، مثل إنشاء التكتلات والتحالفات، وحضور المؤتمرات والتصريحات الصحفية التي ينطبق عليه المثل المشهور: أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً.

وأما النتيجة الخطيرة الثانية: فهي أن مثل هذه التصرفات والتي أرادوا بها -زعموا- أن يخدموا الدعوة السلفية ويقدموها للناس، وأن يخرجوها من القمقم الذي زعموه؛ قد شقت الدعوة السلفية شقاً، وفرقتها مزقاً، حيث أصبح الذين كانوا مجتمعين على الدعوة متآخين في ظلالها، ولهم جهود لا بأس بها تعليمية ودعوية وخيرية.. أصبح كل واحد منهم في واد. وهذا نتيجة الخروج عن الخط الأولوي في هذه الدعوة، وقد سمعت أن ثلاثة نفر أو أقل اجتمعوا لإنشاء تحالف؛ فكان أول بند كتبوه هو إسقاط النظام، وهذا إلى الهلوسة أقرب منه إلى المنطق والعقل.

وآخرون ولدوا حديثاً باسم الائتلاف السلفي.. رابطة شباب النهضة والتغيير يصدرون البيانات المنددة والتي تشبه التنديد الذي عرفته الدول العربية مع إسرائيل، وآخرون اشتبكوا مع الحرس الجمهوري وأرادوا أن يمنعوه من الوصول إلى مهمة كلف بها, فوقعت اشتباكات قتل فيها من قتل وجرح من جرح، وهذا كله يستدعي المشاركة في تقديم النصيحة.

وما يجب قوله في مثل هذه الظروف العسيرة فأقول ناصحاً لإخواني وأبنائي الشباب ممن يثقون بنصيحتي:

أولاً: ليس من مصلحة الدعوة السلفية أن تدخل في صراع منفرد أو مشترك ضد الدولة سلمي أو عسكري في ساحة التغيير أو الحرية أو غيرها؛ لأنها طرق يختلط فيها الحابل بالنابل، والمحق بالمبطل، فما بالك بإطار تجتمع فيه صور جيفارا مع آيات من كتاب الله، ومع كتب الحديث والتفسير، وتلتقي صور عبد الناصر مع كتب ابن تيمية وفوائد ابن القيم، وتسمو أغاني أيوب طارش وكلماته الأممية في السلام الجمهوري وأغاني دماء الحرية مع كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب وكتب سيد قطب؟! فأي عيش يطيب بعد هذا الخلط الذي لم يسبق إليه؟!

وكذلك لا ينبغي الدخول في نفق الصراع الذي يقضي على الدعوة في مهدها، ولها أولوية دعوية لا يمكن أن تفرط فيها، ولأن الحكومات والشعوب كلها هي في مقام الدعوة وليست في مقام الصراع والمنازلة؛ لأن مرحلة البيان والدعوة هي الأصل، ولم تستنفد كل طاقات البيان ووسائله.

ثانياً: الزموا الخط الأولوي المعلوم في الدعوة الذي هو منهج الأنبياء، ألا وهو البداية بالدعوة إلى توحيد الله، ونفي الشريك عنه في عبادته وأسمائه وصفاته وحاكميته، والتحذير من الفرق المخالفة لهذا المنهج قديماً وحديثاً، وعلى وجه الخصوص: الغزو الفكري الديمقراطي التعددي؛ فإنه من أخطر البدع في العصر الحاضر التي تواجه الإسلام بشكل عام، والدعوة السلفية بشكل خاص، سالكين في ذلك المنهجية التعليمية التي وضعها لكم سلفكم الصالح من الأئمة المهديين المجددين.

ثالثاً: الزموا الدعوة إلى اتباع سنة نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام، ونشر ما استطعتم منها، والتحذير من السبل المخالفة لهذا الاتباع، سواء كنت فرقاً دينية كالعصبية المذهبية في الأصول أو الفروع، أو مذاهب علمانية بأثواب دينية، أو بأثواب إلحادية.

رابعاً: لتكن وسيلتكم في ذلك هي عملية التعليم بمؤسساته المختلفة والمساجد والكتب والجرائد والمجلات والتلفزة والإذاعات إن استطعتم، وكل الوسائل الحديثة مثل الإنترنت وغيره؛ فتلك مهمة الأنبياء الأولى، فلا تفرطوا فيها، ولا تشتغلوا بشيء قبلها.

خامساً: المجتمعات الإسلامية كما هي بحاجة إلى إصلاح الوضع السياسي فهي بحاجة أكثر إلى إصلاح العقول والأرواح؛ فعلى فرض أن الإصلاح السياسي صار من الفروض، فليس هو الفرض الوحيد، فإن الانحراف عن الدين قد أصبح شاملاً، بحيث لا ينفع معه إصلاح جانب وإهمال الجانب الآخر، وليس عندنا قدرة لا مادية ولا بشرية تستطيع أن تغطي المجالات كلها، ونحن السلفيون نمتلك ما لا يمتلكه غيرنا من الرؤية الصحيحة في العقائد والمناهج النظرية والاستدلالية.

وغيرنا إذا فرضناه مصيباً في اهتماماته، واستطاع أن يحقق مشروعه السياسي، فإن كان إسلامياً سمعنا له وأطعنا، ولا يضرنا عدم مشاركته في مشروعه؛ لأن مشروعه كفائي إذا قام به البعض سقط الإثم عن الآخرين، ولأن الرؤية لطبيعة النظام السياسي مختلفة بيننا وبينهم، حيث أن الوضع الحالي الاجتماعي والسياسي ليس مستعداً لتقبل الرؤية السلفية السياسية بعد تورط الجميع إلا من رحم الله في المنهج الديمقراطي، ولأن مشروعنا أهم من مشروعهم، ونحن نحسن ما لا يحسنونه.

وإن لم يكن مشروعهم إسلامياً فالأجدر بنا أن لا نشاركهم في تضليل الأمة عن منهجها السياسي الرباني، فلا يهولنك تضخيم المهزومين المتثاقلين لطريق الدعوة، المبهورين بالتهريج السياسي؛ فأنت على خير لا يقل عن الخير الجهادي فضلاً عن النفق السياسي الديمقراطي المظلم المخلوط حقه بباطله، وخيره بشره، وشره غالب بالتأكيد، والحقيقة تقتضي أن لا يكون للعلماء والدعاة مطامع سياسية مثل أن يسعوا إلى إسقاط نظام ليحلو محله، وإنما عليهم أن يقدموا التصور الإسلامي لطبيعة الحكم ويقدموه للحاكم ليطبقه؛ لئلا يتهموا من قبل من يخالفهم ومن قبل عموم الناس بأنهم يريدون السلطة باسم الدين، وعليهم حشد الناس لمناصرة الحاكم وتقويته إذا كان يخاف من تطبيق الشرع من عدو خارجي أو داخلي لضعف في إيمانه أو عزيمته؛ بشرط استجابة الحاكم لمطالب تطبيق الشريعة.

سادساً: لا بد من التعاون والعمل الجماعي بين أصحاب المنهج الواحد من أجل أن تجتمع الطاقات المختلفة لتوزيعها حسب الحاجة، ولكن وهو:

السابع: الجماعات الإسلامية قصد بها من أنشأها خدمة الدعوة، كما هي في كتاب الله وسنة رسوله، وعلى ذلك انضم إليها من انضم من شباب المسلمين، فإذا تحولت تلك الجماعات إلى أحزاب سياسية ملتزمة بالمناهج السياسية الجاهلية المعاصرة، تهدف إلى الوصول إلى السلطة، وتنادي بإسقاط الأنظمة لتحل محلها ملتزمة بتلك المناهج، مستخدمة الدين كوسيلة من وسائل صراعها السياسي، فقد خرجت عن طريق الدعوة التي جاء بها الأنبياء من أولهم إلى آخرهم، فليس معقولاً أن يأتي في آخر الزمان مجموعة مشايخ يغيروا تاريخ الدعوة ومنهاجها بما يخالف منهج الأنبياء، ويكونوا مع ذلك على حق لاستلزامه تخطئة الأنبياء أو الوصول بعقولنا القاصرة إلى ما لم يصل الأنبياء إليه.

ثامناً: احذروا من الانضمام إلى مثل هذه التكلات حتى يتبين لكم ثلاثة أمور: الأهداف، والأولويات، وطريقة التغيير، والأخيرة أهم؛ فإن كانت الأولويات الانشغال بالصراع السياسي تحت أي مسمى ولو ما يسمى بالسلمي، فلا تلتفتوا إليهم وانشغلوا بالدعوة إلى الله وتصحيح عبادات الناس وعقائدهم وأخلاقهم.

وأما طريقة التغيير؛ فإن كانت الديمقراطية والانتخابات والأحزاب السياسية فاحذروهم هم الخطر المحقق على الدعوة السلفية، وإن سكتوا وغمغموا الموضوع فلا تصدقوهم فهم إخوان ديمقراطيون في أثواب سلفية، وقد خدع بهم من قبلكم أناس بارزون، فلا تلدغوا من نفس الجحر؛ فمفترق الطرق بيننا وبينهم يتمثل في منهجهم التغييري؛ فإن قالوا: هذه القضية هي مسألة اجتهادية ترجع في أساسها إلى الدعاة إلى الله في كل بلد على حسب ما يرونه؟ فهؤلاء هم الوجه الآخر للإخوان، أو أنهم يشربون من ماء واحد، فلا يلبسوا عليكم دينكم، فالانحراف يبدأ قليلا ثم يكبر مع الزمن.

ولا يقول قائل: لماذا هذا الضجيج كله من أجل اختلاف في مسألة اجتهادية، وهي قضية المشاركة في الاعتصامات مع شباب التغيير؟

فالجواب: ليس الخلاف فيها فقط، وإنما فيما يترتب عليها من تغيير المسار، ولخبطة الأولويات، والدخول في صراع مع الأنظمة، والاضطرار إلى تغيير الخطاب، وفرض ساحة التغيير علينا اصطلاحات لا نؤمن بها، ونسكت عن فساد المشترك الفكري والأخلاقي والمالي، في مقابل الحديث عن فساد المؤتمر، إضافة إلى الشقاق الحاصل في السلفيين وتشتتهم بدون مقابل.. اللهم إلا ما يمكن من الحديث عن فساد النظام، ونحن نتحدث عنه صباح مساء منذ ولد، بل ونتحدث عن فساد قبله، وعن النظام الجمهوري برمته، في حين أن غيرنا يمدح النظام منذ ثلاث وثلاثين عاماً إلا ستة أعوام بداية الأغلبية المؤتمرية المريحة، وخروجهم إلى الشارع ليبحثوا عن حليف جديد، ولهذا فإن مطالبهم كانت من قبل تدور حول المشاركة في السلطة والثروة، وأن النظام تنكر لمبدأ الشراكة، وهذا متكرر في حديثهم، حتى أنه ورد في خطاب علي محسن الأحمر في بيانه الذي أعلن فيه الانضمام إلى ثورة الشباب.

وأريد أن ألفت النظر إلى أن خطاب الإصلاح -الذي هو محل انتقاد الجميع- إنما وصل إلى ما وصل إليه لما تغير مساره، وتغيرت أولوياته، والتزامه بمصطلحات جلبت عليه وعلى أتباعه وعلى المسلمين في اليمن أنواعاً من الشرور.

ونحن كسلفيين ليس معنا حل لهذه القضية غير ما وضحه لنا نبينا، ألا وهو أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن نرى كفراً بواحاً، فإذا رأينا كفراً بوحاً فطريقة الشرع هي المنابذة بالسيف عند القدرة، واجتماع أهل الحل والعقد على ذلك، فلا داعي لسلوك طريق المغضوب عليهم أو الضالين.

تاسعاً: لنا نحن السلفيون رؤية سياسية مبنية على ما قرره كتاب ربنا، وبينته سنة نبينا، وشرحه علماؤنا، وطبقه الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون من بعدهم، من أراد الاطلاع عليها فليراجعها في الكتب المتخصصة في ذلك، مثل السياسة الشرعية لابن تيمية، والطرق الحكمية لابن القيم، والأحكام السلطانية لأبي يعلى وللماوردي والغياثي ولإمام الحرمين، وهي كذلك في كتب معاصرة مثل كتاب الإمامة العظمى وغيره، وهي منهجية سياسية ربانية تنشأ في حالة الاختيار، وتؤخذ متكاملة لا يجوز فيها التشهي أو الخلط.

وبما أننا في مقام الإنشاء والإحياء والتأسيس، فلا يجوز لنا أن نتبنى سياسة غيرها، ولا يعني هذا أننا نميل إلى العلمنة وفصل الدين عن الدولة كما اتهمنا بذلك بعض تلاميذنا الذين ردوا جميل التعليم والتوجيه والتربية بهذه التهمة، ولكن الوضع الحالي لا يتقبل هذه الرؤية المتكاملة كما هي، وحالة الإنشاء والتأسيس لا تقبل التنازل الجزئي التكتيكي كما يجوز ذلك في حالة التمكين، وعليه فإن كان الوضع القائم لا يتقبلها بجملتها فهي مشروعنا السياسي القادم الذي ندعو إليه أمتنا، ونجمع الأمة عليه مع استمرار عرض هذه الرؤية كما هي على الو ضع القائم فمن قبل بها فبها ونعمت، ولا مانع من التدرج في التطبيق بعد الالتزام العام، ومن لم يقبل بها قدمنا له النصح بحسب الوضع، مراعين في ذلك تقديم الأصلح فالأصلح، ودفع الأفسد فالأفسد، واشتغلنا بما ينفع ديننا من الدعوة والتعليم والبيان العام، موضحين غاية الوضوح أن ذلك الوضع لا يمثل الإسلام في وضعه الاختياري.

ولا يجوز لنا أن نجعل ذلك الوضع الاضطراري منهجاً لنا تقوم على أساسه التربية والتنشئة للأجيال، فيؤدي ذلك إلى مسخ منهجية الإسلام السياسية، والانغماس في مشاريع الجاهلية، مهما كانت نياتنا حسنة فلسنا أحذق من الأنبياء، ولا يجوز بحال من الأحوال أن نقول كما قال بعض المعاصرين: إن الساحة السياسية ليس للإسلام فيها إلا خطوط عريضة، وهي منطقة فارغة من التشريع، لنا أن نشرع فيها ما نراه مناسباً. فهذه هي صورة العلمانية المتدينة، والتي لبست على الناس دينهم؛ فذرهم وما يفترون.

وأما ما جاء من شرعية السعي في التخفيف من المفاسد؛ فهذا يجب أن يكون في ظل حاكمية الشريعة مع وجود شيء من المخالفات والظلم، وأما حين تسلب من الأمة والدولة هويتها الشرعية السياسية، وتستبدل بالأنظمة الوضعية؛ فتجويز الدخول في هذه المتاهات وقياسها على العمل لدى الحكام الظلمة هو استدلال مدخول، كما ترى لقياسه وضع تحت راية الإسلام على وضع تحت راية الجاهلية، وكفى بذلك فرقاناً مبيناً.

وأما قياس الوضع على قصة يوسف نبي الله حين تولى أعمالاً لدى ملك مصر، فالفرق واضح باعتبار أن يوسف مكن من ذلك ليحكم بما أراه الله، وليس بقوانين الكفار؛ لأن الأنبياء معصومون من الحكم بالجاهلية، ولو سلم فشرع من قبلنا ليس شرعاً لنا إذا جاء شرعنا بخلافه، وقد جاء نصاً في قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة:49].

عاشراً: كل الواجبات الشرعية إنما تجب بحسب القدرة والاستطاعة، فالصلاة يجب لها الوضوء وستر العورة واستقبال القبلة، وغير ذلك، وتسقط كلها عند العجز، والحج إنما يجب على المستطيع، والصيام كذلك، ولا زكاة على فقير، والجهاد كذلك لا يجب إلا عند القدرة، وكذلك إقامة النظام الإسلامي والدولة إن أمكن أن نقيمها على الوجه الشرعي وحسب القدرة وبدون تكلف، وركوب للصعب والذلول، وما يجوز وما لا يجوز، فالحمد لله، وإلا فيسقط الوجوب الحالي بالعجز، وعلى المكلفين أن يسعوا إلى الحصول على القدرة بالطرق الشرعية بكل هدوء، ولا داعي للعجلة، ولا يضرك أن تموت قبل أن تبايع إماماً، وحديث: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» المقصود به حين يكون الإمام موجوداً والطريق إلى مبايعته ممكنة؛ لأن إيجاد والٍ مُمَكًّنْ في مثل أحوالنا اليوم من تكليف ما لا يطاق، وهو غير واقع شرعاً.

أعود فأقول: تمر الدعوة السلفية بجميع أطيافها في اليمن بمأزق خطير حيث تكالبت عليها قوى الشر والعدوان وكان هذا التكالب من خلال أسلوبين ظهرا للعيان:

أولهما: أسلوب الغزو الفكري، المتمثل في استبطاء الطريق، وطلب إعادة النظر في المنظومة الفكرية، والدعوة إلى سياسة مد الجسور. وقد سبق الكلام على ذلك مفصلاً.

وأما الأسلوب الثاني: فهو حرب الدعاية والتشويه، وقد اجتمعت جميع الفرق التي ليست بسلفية على ذلك، بل وجميع الملل الكفرية على حرب هذه العصابة المؤمنة أعزها الله ونصرها وكبت أعداءها في الداخل والخارج والقريب والبعيد.

وتتمثل هذه الحرب في أمور منها: الحرب العسكرية والتي تقوم بها أمريكا وحلفاءها من الأنظمة، والعجب أن أمريكا في الوقت الذي تحارب فيه هذا التيار؛ فإنها تدعم الشيعة، وتقف مع قضاياهم، وتتعاطف معهم؛ لأنهم كما تقول: أقلية. وهم قد ملئوا الدنيا ضجيجاً ضد أمريكا، وسموها الشيطان الأكبر، وينادون بالموت لها صباحاً ومساءً، ويتعاونون معها في محاربة التيار السلفي، ويتهمون السلفيين بأنهم عملاء لأمريكا ولإسرائيل. وهذا الأسلوب من أقبح الأساليب وأظلمه وأوقحه.

ومنها: تشويه السمعة بإلصاق تهمة التطرف، وعدم القبول بالرأي الآخر، ويقصدون به الرأي الباطل، وهو صفة مدح للسلفيين.. لم يزل أعداء الإسلام يكررونه حتى كرره معهم خصماء الدعوة السلفية من الجماعات الإسلامية صوفيها وشيعيها، والأحزاب الإسلامية السياسية، وحاش السلفيين من التطرف، إلا إذا كان الإسلام نفسه هو التطرف وحاشاه؛ فإنهم يقضون به وبه يعدلون وإليه يرجعون، وعلى منهاج سلفهم الصالح يسيرون {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:90].

ومنها: تشويه العلمانيين والعقلانيين في الأحزاب السياسية والإسلامية للسلفيين بأنهم يناصرون السلاطين؛ فإن زعموا السلاطين والحكام المتبنين للمناهج العلمانية، فمن وقف معهم فقد انحرف عن المنهج السلفي؟ ولكن غيره في المقابل سيكون منحرفاً أيضاً إذا ناصر الجماعات الإسلامية المتبنية للمنهجية الديمقراطية العلمانية، ولن تنفعه لحاهم الطويلة؛ فإنها وبال على الإسلام والمسلمين مثل ما كانت لحى الصوفية والشيعة كذلك من قبل، وذلك لأنهم متفقون مع السلاطين الجائرين في المنطلقات السياسية والقوانين الوضعية، وإنما يتخذون الدين وسيلة إلى مقاصدهم السياسية، ويستخدمون لغة الدين والجهاد والرباط ضد خصومهم السياسيين، في حين أن خصومهم أتوا إلى الدنيا من بابها، زاعمين أنهم ينزهون الدين عن التدنس بأوساخ السياسة.

ومنها: التساؤل المشبوه الذي يتكرر في كل وقت تقريباً كلما ذكر السلفيون، وهو التساؤل المعروف: ما هو مشروعكم السياسي أيها السلفيون؟

وكأن الآخرين قد أقاموا دولتهم الإسلامية في كل قطر تواجدوا فيه، ومعلوم أنهم بلوا بشر هزيمة في كل البلدان تقريباً، ومشاريعهم الناجحة فقط هي المشاريع التي تشبه مشاريع السلفيين، مثل المشاريع الخيرية أو التعليمية أو الاقتصادية، أما السياسية فهم في شر حال في كل بلد، لا للإسلام نصروا ولا للكفر كسروا! إن وصلوا إلى السلطة وصلوها علمانيين، وإن بقوا في الشوارع وساحات التغيير بقوا فيها مقهورين محصورين لا يتجاوزون قدرهم.

والعجب أنهم يسمعون بالدول التي أقامها السلفيون الجهاديون في العصر الحديث في أفغانستان والشيشان والصومال والعراق فيتجاهلون كل تلك النجاحات، والتي سرعان ما ينقض الخصوم الكفار على من ظهر نجمها من تلك الدول الفتية بحرب مدمرة عسكرية وإعلامية واقتصادية، ويشاركهم في الحرب الإعلامية بعض الجماعات الإسلامية التي بينها وبين أعداء الإسلام اتفاق على سلوك الديمقراطية، ونبذ العنف والتطرف كما يقولون.

وعليه فطريق الدعوة النبوية ومراحلها التي لا يجوز القفز عليها تتمثل بالخطوات الآتية:

1- بيان للأمة وتعليمها أصول دينها لتتحقق المراجعة المقصودة بالحديث: «حتى تراجعوا دينكم» والتي هي شرط لأن يرفع الله ما بنا من الذل.

2- ثم التربية لها على ذلك الدين حتى لا تشوهه إن مكنت قبل أن تتربى عليه كما تربى الصحابة؛ لأن منهج الله لا يقبل التشويه والظلم والعلو في الأرض تحت شعاره وباسمه {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124].. {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83].

3- التعاون والتناصر على الحق، وفي سبيل الحق بعيداً عن الحزبية المقيتة المستغلة للدين.

4- ومفاصلة أهل الباطل والبراءة من باطلهم براءة يعلم بها الخاص والعام، وتصل إلى كل واد وجبل وقرية ومدينة.

5- ثم جهاد وتضحية بعد وضوح السبيل وإنارة الدليل.

6- ثم على الله بعد ذلك التمكين إن شاء، وعلينا أن نعتبر بالقدرة الإلهية حيث قلبت حسابات الظالمين في مصر وتونس بين عشية وضحاها بما لو عمل على حصول ذلك أي فصيل إسلامي عشرات السنين لما كان التمكين بتلك السرعة.

7- وإن لم يأذن الله بالتمكين فموت على الحق، أو استشهاد في طريقه.

فمن جاء من هذه الأحزاب والتكتلات ببرنامج يتضمن في دعوته هذه المراحل وهذا الصفاء والنقاء، وابتعد عن الغمغمة والتغليف. فمرحباً به سواء سمى نفسه وجماعته حزباً أو اختار اسماً غير ذلك؛ فالعبرة بالجوهر وليس بالشكل والمظهر، وإلا فنكون منه على حذر، عملاً بقوله تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة:49].

فهذه نصيحتي إليكم رأيت أن الواجب الشرعي يحتم علي قولها، آملاً أن ينفع الله بها من شاء من العباد اليوم أو في المستقبل، ولكن: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:164]، ولعل هذه الأمة ستذكرنا بخير في ما يأتي من الزمان حين يبلغ الكتاب أجله في منحدر التيه والتبعية، وحين تبدأ رحلة العودة إلى الله وإلى شرعه، نسأل الله أن يعجل ذلك، ويكتب الهداية للجميع، والله يرعاكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق