الجمعة، 26 أغسطس 2011

بيان للتيار السلفي في ليبيا

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين و المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد؛

يَا أَيُّهَا النَّاسُ: «فإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا»

مما لاشك فيه أن التيار السلفي الليبي يبغض في الله الطاغية معمر القذافي لبعده عن كتاب الله وسنة رسوله الكريم ومحاربته لكل من يتبع ويتمسك بالسنة النبوية الشريفة، فمن ذا الذي يرى هذا الطاغية أو يسمع عنه ولا يضيق بذكره صدرُه؟! وقد قال تعالى: [وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ] (آل عمران/57)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَشَدَّهُ عَذَابًا إِمَامٌ جَائِرٌ» رواه أحمد. ومن أبغضه الله زرع بغضه في قلوب عباده، وإنّ الظالم لن يفلح سعيه، ولن يوفق في أمره، قال تعالى :[إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ] (الأنعام/21و135، ويوسف/23، والقصص/ 7).

ولم يتوقف الطاغية معمر القذافي عند هذا الأمر بل قام باعتقال وتعذيب الآلاف من المسلمين المتمسكين بسنة النبوية الشريفة وخصوصاً من التيار السلفي الليبي ووصل الأمر به أن قتل الألف من التيار السلفي الليبي فاغلب قتلي مجزرة أبوسليم سنة 1996 من التيار السلفي الليبي ولم يتوقف الطاغية عند هذا الأمر بل ضيق عليهم حياتهم ومعيشتهم ومنعهم من أعمالهم ودراساتهم العليا ومن السفر أيضاً في كثير من الأحيان، فلن تجد سلفي واحد لم يتأذى منه، ومع كل جرائم الطاغية معمر القذافي بحق التيار السلفي الليبي كان التيار السلفي الليبي لا يري بالخروج عليه وإن ظلمهم، ليس حباً فيه أو خوفاً منه بل طاعة لله ورسوله وخوفاً من إراقة الدماء و وقوع المفسدة وغلبتها علي المصلحة العامة، ولكن بعد أحداث 17 فبراير 2011 والتي أشعلتها الدماء الزكية لشهداء مجزرة أبوسليم ( نحسبهم كذلك ولا نزكيهم علي الله)، ظهرت في التيار السلفي الليبي عدة أراء منها:

1. أنه لا يوجد في الشرع ما يدل على جواز المظاهرات وأن ما يحدث هو خروج علي ولي الأمر وأن كان ظالم وبيعته غير شرعية، فلا ننازعه سلطانه لأنه يؤدي إلى انعدام الأمن وقتل المسلمين ومزيد من الظلم والهرج والفوضى التي سوف تعم البلاد وهذا فساد أعظم من مصلحة الخروج علي ولي الأمر الظالم، وكذلك لعدم توفر القدرة على إزالته وعلى تنصيب مسلم مكانه والتزاما بالقاعدة الشرعية المجْمَع عليها أنه (لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه) ولأنّ الخروج عليه قد يعود عليهم بالإبادة والقضاء على الدّعوة أن ظهرت العزة له، صرنا أذلة أكثر وتمادى في طغيانه وكفره، فالمنع من الخروج على أئمة الجور والتزام البيوت وعدم الخروج إلى المظاهرات إنما كان لدفع الفتنة ومنع إراقة الدماء و حماية بيضة المسلمين، وحفاظاً علي وحدة البلاد والجماعة، وليس تسويغاً للظلم أو إقرارا للظالم على ظلمه.

2. أما الرأي الثاني فكان يرى إن المظاهرات والخروج السلمي الملتزم بالضوابط الشرعية في القول والفعل ليس بخروج علي ولي الأمر، بل هي وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي و النصح و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تختلف من زمن إلى زمن حسب التطور العلمي والمادي والثقافي للشعوب ووعيهم بمطالبهم وتعبيرهم عنها بالطرق المتحضرة السلمية، فلكل امة لها وسائلها المتنوعة والمستحدثة في التعبير عن الرأي وتختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال، فقد تتخذ صورة الكتابة المباشرة إلى الهيئات المسئولة والرقابية، أو الكتابة في الصحف والمجلات، أو عبر الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة أو عبر شبكة المعلومات أو عبر رسائل الهاتف النقال، أو بواسطة الخطابة في المحافل والمنتديات والتجمعات العامة، وقد تكون سرا أو علانية بحسب وجوه المصالح واعتبار المآلات.

فالمظاهرات وان لم تكن في عهد السلف الصالح لأنه كان هناك شورى بين المسلمين، لا تدخل في مضامين عقيدة الخروج بل هي نوع من أنواع التعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق الشرعية و توصيل الفكرة للحاكم بسلام دون إراقة الدماء وتخريب وتدمير للممتلكات العامة والخاصة، فالمظاهرات يدور حكمها في فلك الموازنة بين المصالح والمفاسد، ومشروعيتها مرتبطة ببقاء التظاهر بشكل سلمي و شرعية المطالب، وأن حَملَ السلاح علي المتظاهرين فمن حقّهم أن يدفعوا من صال عليهم بما يندفع به الصائل.

3. أما الرأي الثالث فكان لا يعتبر الطاغية معمر القذافي ولي أمر قانوناً وشرعاً وفق الأسباب التالية:

• أنه مغتصب للحكم في سنة 1969وحسب اعتراف وقول الطاغية بنفسه وانه تنازل عن الحكم في سنة 1977م وهو حالياً مرجعية أدبية للشعب فقط حسب تصريحاته المتكررة.

• أنه ظالم وغير عادل وخائن للأمانة وقاتل للأبرياء، قال تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا] (النساء/58). فالعدل أساس الحكم في الإسلام، كما أن الأمانة - بكل مدلولاتها- هي أساس الحياة في المجتمع الإسلامي، وقال: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ] (النحل/90). وقال: [وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا] (النساء/93).

• لكفره البواح حيث تم تكفيره حسب فتوى بعض العلماء في داخل ليبيا وخارجها كعلماء أرض الحرمين مثل الشيخ العلامة بن باز رحمه الله و الشيخ صالح اللحيدان وكذلك فتوى العلامة الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله وهو من كبار علماء المنهج السلفي في اليمن، لذا كان الرآى جواز الخروج علي الطاغية لانتفاء الشرط الطاعة له (إلا أن تروا كفراً بواحا عندكم من الله فيه برهان) مع توفر شرط غلبة المصلحة علي المفسدة.

ومع اختلاف الآراء والاجتهادات يتفق التيار السلفي الليبي علي بيان واحد يدعو فيه إلي إقامة حدود الله والالتزام بشرعه وعلي الحفاظ علي وحدة البلاد ومصلحة كافة أفراد الشعب الليبي وعلي تبنيه لكافة حقوق الشعب الشرعية، ويدعو إلي ذرء الشر بما يزيله أو يخففه بأقل الخسائر.

ومع الإجرام القمعيّ المستخدم ضد إخواننا المتظاهرين العزل ومع الدماء التي أسالها النظام الظالم وكذا الأجسام التي مزّقها أشلاء من غير مراعاة لأدنى حرمة، ومع اختطاف الجرحي والمواطنين الأبرياء، وكذلك مع استعماله لآلته العسكرية بما في ذلك الأسلحة الثقيلة والطائرات الحربية لضرب هذا الشعب الأعزل المسالم كما فعل الاستعمار الايطالي مع أجدادنا، بل وتعدّى الأمر كل الخطوط وكسر كل الحواجز بالاستعانة بمرتزقة لا يعرفون إلا القتل ومن بينهم صليبين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، في سابقة لم تحدث في التاريخ، فكانت الحصيلة لهذه التصرفات الوحشية الرعناء آلافاً من القتلى والجرحى.

عليه فلا كرامة ولا حرمة لهذا الطاغية بعد الآن، ولا يُعد في الحقيقية حاكما شرعيّا، وإنه يجب على المسلمين في ليبيا أن يكونوا صفًا واحدًا في وجه هذا الظالم، وتنحيته عن الحكم إن كان فيهم قوَّةٌ واستطاعة وبأقل الخسائر، وإيجاد حاكم مسلم يحكم بشرع الله، وكل من قاتل دفاعاً عن النفس أو لتحكيم الشريعة ولنصرة الحق وقتل فهو شهيد في سبيل الله.

ونهيب بكل الليبيين أن يحرصوا على الاجتهاد الجماعي قدر الطاقة لما فيه خدمة للدين والوطن، وأن يعملوا علي نشر العدل و إعلاء منبر السنة والقضاء على الدكتاتورية الغاشمة الظالمة، وأن ينظروا لمصالح الأمة عامة لا لمصالح قبيلة أو مدينة معينة.

والتيار السلفي الليبي يدين بشدة كل أعمال التخريب والقتل والإرهاب والحصار التي تمارس ضد الشعب الليبي الأعزل ويحذرون من سفك الدماء [مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا]، فكل من يسفك دم إنسان فلن يفلت من غضب رب العباد في الدنيا والآخرة وسوف يتحمل المسؤولية الكاملة أمام الشعب والتاريخ في مقابل أي قطرة دم تسفك بغير حق، ورحم الله كل من قْتل في هذه الأحداث الدامية وألهمنا وأهله الصبر وعظم الله أجورهم
نسأل الله عز وجل أن يهيئ لنا من أمرنا رشداً، وأن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل شر وسوء، وألا يجعل الدائرة على أهل الحق، وأن يجعل مآل أمورنا إلى خير، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يجعلنا إخواناً على الحق متراحمين، ولا يجعل بأسنا بيننا.. والحمد لله رب العالمين.

قال تعالى: [قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] (آل عمران/ 26)

التيار السلفي الليبي
طرابلس - ليبيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق